فائض حرق النفايات في الصين- طاقة مفرطة ونفايات غير كافية

تواجه الصناعات الصينية الضخمة تخمة إنتاجية واسعة النطاق، تمتد من مصانع الصلب اللامعة إلى حقول الألواح الشمسية المترامية الأطراف، وصولًا إلى مشاريع حرق النفايات الطموحة لتوليد الطاقة. فبالرغم من التخطيط الاستراتيجي المحكم الذي منح الصين مكانة متقدمة كأكبر قوة معالجة للنفايات في العالم، يواجه هذا القطاع تحديات جمة في تأمين إمدادات وفيرة من النفايات، وذلك كنتيجة مباشرة لتباطؤ النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد وتراجع وتيرة التحضر، وفقًا لتقديرات الخبراء الماليين.
تشير صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" المرموقة إلى أنه منذ عام 2019، شهدت كميات النفايات الصلبة البلدية في الصين زيادة طفيفة، لا تتجاوز 10%، في حين أن الطاقة الاستيعابية لمحطات حرق النفايات قد تضاعفت بأكثر من مرتين. ونتيجة لذلك، أصبح ما يقرب من 40% من القدرة الكلية لحرق النفايات وتحويلها إلى طاقة غير مستغل، وذلك وفقًا لبيانات حكومية رسمية وتقديرات دقيقة أجراها باحثون متخصصون.
خلال العام المنصرم، قامت الصين بجمع ونقل ما يزيد على 262 مليون طن من النفايات الصلبة، وهو ما يمثل زيادة ملحوظة تقارب 11% مقارنة بالـ 235 مليون طن التي تم جمعها في عام 2019، وذلك استنادًا إلى البيانات الصادرة عن وزارة البيئة الصينية.
وفي شهر أكتوبر من العام الماضي، وصل عدد منشآت حرق النفايات المنتشرة في أرجاء البلاد إلى 1010 منشأة، بطاقة إجمالية هائلة بلغت حوالي 1.11 مليون طن يوميًا، وذلك وفقًا لما أعلنته الوزارة في مؤتمر صحفي عقد في ديسمبر. وتمثل هذه الأرقام زيادة تفوق الضعف مقارنة بالقدرة التي كانت متاحة في عام 2019، والتي بلغت آنذاك 457,639 طنًا يوميًا.
وفي مذكرة تحليلية نشرت في وقت سابق من هذا الشهر، أوضح محللو شركة "سندا سيكيوريتيز" أن منشآت حرق النفايات في الصين تواجه انخفاضًا ملحوظًا في معدلات التشغيل، حيث تُقدر نسبة الاستفادة الفعلية بنحو 60% فقط. وأشاروا إلى أن "التوقعات المفرطة في التفاؤل بشأن التنمية الإقليمية المتسارعة قد أدت إلى بناء مفرط لمنشآت حرق النفايات، وهو ما فاق الحاجة الفعلية".
منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وحتى العقد الثاني منه، وبفضل وتيرة التحضر المتسارعة والدعم السياسي القوي، تحولت الصين من طمر معظم النفايات في المكبات التقليدية إلى التوسع السريع في عمليات الحرق، على الرغم من الاحتجاجات العامة المتزايدة بشأن التلوث ومواقع المنشآت.
وقد نصت الخطة الطموحة لبناء مرافق تصنيف ومعالجة النفايات الصلبة للفترة الممتدة من 2021 إلى 2025 على أن تصل طاقة الحرق اليومية للنفايات البلدية إلى حوالي 800 ألف طن بحلول نهاية هذا العام. ولكن، وفقًا لوزارة البيئة، فقد تحقق هذا الهدف الطموح في أوائل عام 2022.
الناشطة البيئية البارزة تشن ليوين، الخبيرة المتعمقة في مجال إدارة النفايات، صرحت قائلة: إن الخطط السابقة قد أخطأت في تقدير مستوى التحضر المتوقع ولم تتوقع حدوث انخفاض في عدد السكان أو تحولات كبيرة في الاقتصاد. وأضافت قائلة: "السبب الرئيسي وراء فائض القدرة الحالي هو أن الخطط قد استندت إلى تقديرات لذروة عدد السكان وما يصاحب ذلك من حجم نفايات هائل".
وتابعت ليوين قائلة: "ولكن بعد ذلك، شهدنا تناقصًا كبيرًا في عدد سكان المدن الكبرى خلال جائحة كورونا، إلى جانب تغييرات ملحوظة في أنماط الاستهلاك نتيجة لتباطؤ الاقتصاد، وكلها عوامل أثرت بشكل كبير في حجم إنتاج النفايات في البلاد". وأشارت إلى أن الحوافز المالية الحكومية السخية كانت المحرك الأساسي وراء التوسع السريع في بناء المحارق.
في أوائل عام 2006، صنفت الحكومة المركزية حرق النفايات لتوليد الطاقة ضمن مصادر الطاقة المتجددة الواعدة تحت بند طاقة الكتلة الحيوية، وقدمت دعمًا ماليًا سخيًا للكهرباء المنتجة من هذه المحطات، وهو ما جذب أعدادًا كبيرة من الشركات الطامحة إلى ما رأوه قطاعًا مضمون الأرباح وذا عائدات مجزية.
وبحلول عام 2020، أعلنت الحكومة المركزية عن خطة لإلغاء الدعم المالي تدريجيًا، لكن علامات وجود فائض كبير في القدرة كانت قد ظهرت بالفعل، بحسب تشن، التي أضافت أن الوضع من المتوقع أن يتفاقم نظرًا لأن منشآت الحرق تحتاج إلى 10 سنوات على الأقل لاسترداد تكاليف الاستثمار الباهظة.
كما كان تشجيع الحكومة القوي على فرز النفايات عاملاً آخر أسهم في تقليل الكميات القابلة للحرق، وذلك بحسب ما ذكره محللو "سندا سيكيوريتيز". ففي إطار تعزيز إعادة التدوير وتشجيع الممارسات المستدامة، أطلقت الحكومة حملة وطنية شاملة لتصنيف النفايات المنزلية إلزاميًا بدءًا من مدن كبرى مثل شنغهاي في عام 2019.
وأشار المحللون أيضًا إلى أن فائض منشآت الحرق يختلف باختلاف المناطق نتيجة للفروقات الإقليمية الواسعة في أنحاء البلاد. فقد سجلت مقاطعتا جوانجدونج وتشجيانج، اللتان قادتا موجة بناء منشآت الحرق، معدلات تشغيل منخفضة بلغت 60% و49% على التوالي في عام 2023 بسبب تباطؤ نمو حجم النفايات، في حين سجلت مقاطعات أخرى مثل سيتشوان وهونان وشنشي نسب استخدام مرتفعة تقارب 90%.